فصل: من فوائد السعدي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وإلى هذه الطريقة مال صاحب الكشاف.
وقال سيبويه: هي لام التعليل أي لام كي، وأنّ ما بعدها علّة، ومفعولَ الفعل الذي قبلها محذوف يقدّر بالقرينة، أي يريد الله التحليل والتحريم ليبيّن.
ومنهم من قرّر قول سيبويه بأنّ المفعول المحذوف دلّ عليه التعليل المذكور فيقدّر: يريد الله البيانَ ليبيّن، فيكون الكلام مبالغة بجعل العلّة نفس المعلّل.
وقال الخليل، وسيبويه في رواية عنه: اللاّم ظَرف مستقرّ هو خبر عن الفعل السابق، وذلك الفعلُ مقدّر بالمصدر دون سابك على حدّ تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه أي إرادة الله كائنة للبيان، ولعلّ الكلام عندهم محمول على المبالغة كأنّ إرادة الله انحصرت في ذلك.
وقالت طائفة قليلة: هذه اللاّم للتقوية على خلاف الأصل، لأنّ لام التقوية إنّما يجاء بها إذا ضعف العامل بالفرعية أو بالتأخّر.
وأحسن الوجوه قول سيبويه، بدليل دخول اللام على كَي في قول قيس بن سعد بن عَبادة الخزرجي.
أردتُ لكيمَا يَعْلَمَ الناسُ أنّها ** سَراويلُ قَيس والوفود شهود

وعن النحّاس أنّ بعض القرّاء سمّى هذه اللاّم لام (أنْ).
ومعنى {ويهديكم سنن الذين من قبلكم} الهداية إلى أصول ما صلح به حال الأمم التي سبقتنا، من كليات الشرائع، ومقاصدها.
قال الفخر: فإن الشرائع والتكاليف وإن كانت مختلفة في نفسها، إلاّ أنّها متّفقة في باب المصالح. قلت: فهو كقوله تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا} الآية.
وقوله: {ويتوب عليكم} أي يتقبّل توبتكم، إذْ آمنتم ونبذتم ما كان عليه أهل الشرك من نكاح أزواج الآباء، ونكاح أمّهات نسائكم، ونكاح الربائب، والجمع بين الأختين.
ومعنى: {ويتوب عليكم} يقبل توبتكم الكاملة باتّباع الإسلام، فلا تنقضوا ذلك بارتكاب الحرام.
وليس معنى {ويتوب عليكم} يوفّقكم للتوبة، فيشكل بأنّ مراد الله لا يتخلّف، إذ ليس التوفيق للتوبة بمطّرد في جميع الناس.
فالآية تحريض على التوبة بطريق الكناية لأنّ الوعد بقبولها يستلزم التحريض عليها مثل ما في الحديث: «فيقول هل من مستغفر فأغفر له، هل من داع فأستجيب له» هذا هو الوجه في تفسيرها، وللفخر وغيره هنا تكلّفات لا داعي إليها.
وقوله: {والله عليم حكيم} مناسب للبيان والهداية والترغيب في التوبة بطريق الوعد بقبولها، فإنّ كلّ ذلك أثر العلم والحكمة في إرشاد الأمّة وتقريبها إلى الرشد. اهـ.

.من فوائد السعدي في الآية:

قال رحمه الله:
{يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
يخبر تعالى بمنته العظيمة ومنحته الجسيمة، وحسن تربيته لعباده المؤمنين وسهولة دينه فقال: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} أي: جميع ما تحتاجون إلى بيانه من الحق والباطل، والحلال والحرام، {وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} أي: الذين أنعم الله عليهم من النبيين وأتباعهم، في سيرهم الحميدة، وأفعالهم السديدة، وشمائلهم الكاملة، وتوفيقهم التام. فلذلك نفذ ما أراده، ووضح لكم وبين بيانا كما بين لمن قبلكم، وهداكم هداية عظيمة في العلم والعمل.
{وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} أي: يلطف لكم في أحوالكم وما شرعه لكم حتى تمكنوا من الوقوف على ما حده الله، والاكتفاء بما أحله فتقل ذنوبكم بسبب ما يسر الله عليكم فهذا من توبته على عباده.
ومن توبته عليهم أنهم إذا أذنبوا فتح لهم أبواب الرحمة وأوزع قلوبهم الإنابة إليه، والتذلل بين يديه ثم يتوب عليهم بقبول ما وفقهم له. فله الحمد والشكر على ذلك.
وقوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أي: كامل الحكمة، فمن علمه أن علمكم ما لم تكونوا تعلمون، ومنها هذه الأشياء والحدود. ومن حكمته أنه يتوب على من اقتضت حكمته ورحمته التوبة عليه، ويخذل من اقتضت حكمته وعدله من لا يصلح للتوبة. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
ماذا يبين لنا؟ إنه سبحانه يبين القوانين الحاكمة لانتظام الحياة.. وقلنا إنه لا يمكن أن يوجد تجريم إلا بنص ولا توجد عقوبة إلا بتجريم. فقبلما يعاقبك على أمر فهو يقول لك: هذه جريمة ويُنص عليها، إنه لا يأتي ليقول لك: فعلت الشيء الفلاني وهذه عقوبته؛ لأنك قد تقول له: فعلت هذا الفعل من قبل ولم أعرف أنه جريمة وعليه عقوبة. إذن فلا يمكن أن تعاقب إلا إذا أجرمت، ولا يمكن أن تجرم إلا بنص، فيريد الله أن يبصركم ببيان ما تصلح به حركة حياتكم، والله آمن عليكم من أنفسكم، لأنه هو سبحانه الذي خلق وهو يعلم من خلق.
إن سبحانه- وحده- الذي يقنن ما يصلح مخلوقه، أما أن يخلق هو وأنت تقنن فهذا اعتداء؛ لأنه سبحانه يقنن لما يعلم- ولله المثل الأعلى- وقلنا سابقا: إن المهندس الذي يصنع التليفزيون هو الذي يضع له قانون الصيانة؛ لأنه هو الذي صمم الآلة، وهو الجدير بأن يضع لها قانون صيانتها، فيعلمنا: المفتاح هذا لكذا، وهذا للصورة وهذا للصوت.
إن الذي خلق الإنسان هو الذي يضع قانون صيانته المتمثل في افعل ولا تفعل، وترك سبحانه أمورا لم يرد فيها افعل ولا تفعل، وهي متروكة على الإباحة، تفعله أو لا تفعله، إنه سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ}، والسنة هي الناموس الحاكم لحركة الحياة. والحق يقول: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 62].
والرسل سبقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وعرفنا الذين أطاعوا رسلهم ماذا حدث لهم، والذين كذبوا رسلهم ماذا حدث لهم. لقد قال الحق في شأنهم: {فَكُلًا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَاكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40].
فالله يريد أن يبين لنا سنن من قبلنا، أي الطرائق التي حُكموا بها، وماذا حدث لأهل الحق وماذا حدث لأهل الباطل. إذن فهو ليس تقنينا أصم، بل هو تقنين مسبوق بوقائع تؤكده وتوثقه، {وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} وهو سبحانه يبين ويوضح ويتوب، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ} لأنه خالق، {حَكِيمٌ} يضع الأمر في موضعه والنهي في موضعه. فالحكمة هي: وضع الشيء في موضعه، وسبحانه يضعه عن علم، فالعلم يقتضي اتساع المعلومات، والحكمة هي وضع كل معلوم في موقعه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (27):

قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما قرر سبحانه وتعالى إرادته لصلاحهم ورغب في اتباع الهدى بعلمه وحكمته عطف على ذلك قوله: {والله} بلطف منه وعظم سلطانه {يريد} إي بإنزاله هذا الكتاب العظيم وإرساله هذا الرسول الكريم {أن يتوب عليكم} أي يرجع لكم بالبيان الشافي عما كنتم عليه من طرق الضلال لما كنتم فيه من العمى بالجهل، وزادهم في ذلك رغبة بقوله: {ويريد الذين يتبعون} أي على سبيل المبالغة والاستمرار {الشهوات} أي من أهل الكتابين وغيرهم كشاش بن قيس وغيره من الأعداء {أن تميلوا} أي عن سبيل الرشاد {ميلًا عظيمًا} أي إلى أن تصيروا إلى ما كنتم فيه من الشرك والضلال، فقد أبلغ سبحانه في الحمل على الهدى بموافقة الولي المنعم الجليل الذي لا تلحقه شائبة نقص، ومخالفة العدو الحسود الجاهل النازل من أوج العقل إلى حضيض طباع البهائم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} ابتداء وخبر.
وأنْ في موضع نصب بـ {يُرِيدُ} وكذلك {يُرِيدُ الله أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ}؛ فـ {أَن يُخَفِّفَ} في موضع نصب بـ {يُرِيدُ} والمعنى: يريد توبتكم، أي يقبلها فيتجاوز عن ذنوبكم ويريد التخفيف عنكم.
قيل: هذا في جميع أحكام الشرع، وهو الصحيح.
وقيل: المراد بالتخفيف نكاحُ الأَمة، أي لَمّا علمنا ضعفكم عن الصبر عن النساء خفّفْنا عنكم بإباحة الإماء؛ قاله مجاهد وابن زيد وطاوس.
قال طاوس: ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في أمر النساء.
واختلف في تعيين المتَّبِعين للشهوات؛ فقال مجاهد: هم الزناة.
السّدِّي: هم اليهود والنصارى.
وقالت فرقة: هم اليهود خاصّةً؛ لأنهم أرادوا أن يتبعهم المسلمون في نكاح الأخوات من الأب.
وقال ابن زيد: ذلك على العموم، وهو الأصح.
والميل: العدول عن طريق الاستواء؛ فمن كان عليها أحب أن يكون أمثاله عليها حتى لا تلحقه مَعرَّة. اهـ.

.قال ابن عطية:

وتكرار إرادة الله تعالى التوبة على عبادة تقوية للإخبار الأول، وليس المقصد في هذه الآية إلا الإخبار عن إرادة الذين يتبعون الشهوات، فقدمت إرادة الله توطئة، مظهرة لفساد إرادة متبعي الشهوات. اهـ.

.قال الفخر:

قالت المعتزلة:
قوله: {والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} يدل على أنه تعالى يريد التوبة من الكل، والطاعة من الكل.
قال أصحابنا: هذا محالٌ لأنه تعالى علم من الفاسق أنه لا يتوب وعلمه بأنه لا يتوب مع توبته ضدان، وذلك العلم ممتنع الزوال، ومع وجوب أحد الضدين كانت إرادة الضد الآخر إرادة لما علم كونه محالا، وذلك محال، وأيضًا إذا كان هو تعالى يريد التوبة من الكل ويريد الشيطان أن تميلوا ميلا عظيما، ثم يحصل مراد الشيطان لا مراد الرحمن، فحينئذ نفاذ الشيطان في ملك الرحمن أتم من نفاذ الرحمن في ملك نفسه، وذلك محال، فثبت أن قوله: {والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} خطاب مع قوم معينين حصلت هذه التوبة لهم. اهـ.

.قال الألوسي:

{والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} جعله بعضهم تكرارًا لما تقدم للتأكيد والمبالغة وهو ظاهر إذا كان المراد من التوبة هناك وهنا شيئًا واحدًا، وأما إذا فسر {يَتُوبُ} أولًا: بقبول التوبة والإرشاد مثلًا، وثانيًا: بأن يفعلوا ما يستوجبون به القبول فلا يكون تكرارًا، وأيضًا إنما يتمشى ذلك على كون {لِيُبَيّنَ لَكُمْ} [النساء: 26] مفعولًا وإلا فلا تكرار أيضًا لأن تعلق الإرادة بالتوبة في الأول: على جهة العلية، وفي الثاني: على جهة المفعولية وبذلك يحصل الاختلاف لا محالة {وَيُرِيدُ الذين يَتَّبِعُونَ الشهوات} يعني الفسقة لأنهم يدورون مع شهوات أنفسهم من غير تحاش عنها فكأنهم بأنهماكهم فيها أمرتهم الشهوات باتباعها فامتثلوا أمرها واتبعوها فهو استعارة تمثيلية، وأما المتعاطي لما سوغه الشرع منها دون غيره فهو متبع له لا لها.
وروي هذا عن ابن زيد، وأخرج مجاهد عن ابن عباس أنهم الزناة، وأخرج ابن جرير عن السدي أنهم اليهود والنصارى، وقيل: إنهم اليهود خاصة حيث زعموا أن الأخت من الأب حلال في التوراة، وقيل: إنهم المجوس حيث كانوا يحلون الأخوات لأب لأنهم لم يجمعهم رحم، وبنات الأخ والأخت قياسًا على بنات العمة والخالة بجامع أن أمهما لا تحل، فكانوا يريدون أن يضلوا المؤمنين بما ذكر، ويقولون: لم جوزتم تلك ولم تجوزوا هذه؟ فنزلت، وغوير بين الجملتين ليفرق بين إرادة الله تعالى وإرادة الزائغين {أَن تَمِيلُواْ} عن الحق بموافقتهم فتكونوا مثلهم، وعن مجاهد أن تزنوا كما يزنون.
وقرئ بالياء التحتانية فالضمير حينئذ للذين يتبعون الشهوات {مَيْلًا عَظِيمًا} بالنسبة إلى ميل من اقترف خطيئة على ندرة، واعترف بأنها خطيئة ولم يستحل. اهـ.